فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (1- 5):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا حسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: الفلق: الصبح.
وقال العوفي، عن ابن عباس: {الْفَلَقِ} الصبح.
ورُوي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن محمد بن عقيل، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وابن زيد، ومالك عن زيد بن أسلم، مثل هذا.
قال القرظي، وابن زيد، وابن جرير: وهي كقوله تعالى: {فَالِقُ الإصْبَاحِ} [الأنعام: 96].
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {الْفَلَقِ} الخلق.
وكذا قال الضحاك: أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله.
وقال كعب الأحبار: {الْفَلَقِ} بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، ورواه ابن أبي حاتم، ثم قال:
حدثنا أبي، حدثنا سهيل بن عثمان، عن رجل سماه، عن السدي، عن زيد بن علي، عن آبائه أنهم قالوا: {الْفَلَقِ} جب في قعر جهنم، عليه غطاء، فإذا كشف عنه خرجت منا نار تصيح منه جهنم، من شدة حر ما يخرج منه.
وكذا رُوي عن عمرو بن عَبَسَةَ والسدي، وغيرهم. وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوع منكر، فقال ابن جرير:
حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هُريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{الْفَلَقِ} جُبّ في جهنم مغطى». إسناده غريب ولا يصح رفعه.
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: {الْفَلَقِ} من أسماء جهنم.
قال ابن جرير: والصواب القول الأول، أنه فلق الصبح. وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري، رحمه الله، في صحيحه.
وقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} أي: من شر جميع المخلوقات.
وقال ثابت البناني، والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق.
{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قال مجاهد: غاسقُ الليلُ إذا وقبَ غُروبُ الشمس. حكاه البخاري عنه.
ورواه ابن أبي نَجِيح، عنه.
وكذا قال ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، وخُصَيف، والحسن، وقتادة: إنه الليل إذا أقبل بظلامه.
وقال الزهري: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} الشمس إذا غربت.
وعن عطية وقتادة: إذا وقب الليل: إذا ذهب.
وقال أبو المهزم، عن أبي هريرة: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} كوكب.
وقال ابن زيد: كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكان الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.
قال ابن جرير: ولهؤلاء من الأثر ما حدثني: نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله- ابن أخي همام- حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قال: النجم الغاسق».
قلت: وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير: وقال آخرون: هو القمر.
قلت: وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا أبو داود الحَفري، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن أبي سلمة قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين يطلع، وقال: «تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب».
ورواه الترمذي والنسائي، في كتابي التفسير من سننيهما، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، به.
وقال الترمذي: حسن صحيح. ولفظه: «تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب».
ولفظ النسائي: «تعوَّذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب».
قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج-: هذا لا ينافي قولنا؛ لأن القمر آيةُ الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء، إلا في الليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
وقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة والضحاك: يعني: السواحر- قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية والمجانين.
وفي الحديث الآخر: أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد؟ فقال: «نعم». فقال: بسم الله أرْقِيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك.
ولعل هذا كان من شكواه، عليه السلام، حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرَة الحسَّاد من اليهود في رءوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر، بل كفى الله وشفى وعافى.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، قال: فجاءه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عُقَدًا في بئر كذا وكذا، فَأرْسِل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا، رضي الله تعالى عنه فاستخرجها، فجاء بها فحللها قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه قط حتى مات.
ورواه النسائي عن هَنَّاد، عن أبي معاوية محمد بن حَازم الضرير.
وقال البخاري في كتاب (الطب) من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أول من حدثنا به ابنُ جُرَيْج، يقول: حدثني آل عُرْوَة، عن عروة، فسألت هشاما عنه، فحدثَنا عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر، حتى كان يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن- قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا- فقال: «يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طَبَّه؟ قال: لَبيد بن أعصم- رجل من بني زُرَيق حَليف ليهُودَ، كان منافقًا- وقال: وفيم؟ قال: في مُشط ومُشاقة. قال: وأين؟ قال: في جُف طَلْعَة ذكر تحت رعوفة في بئر ذَرْوَان». قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه فقال: «هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نُقَاعة الحنَّاء، وكأن نخلها رءوس الشياطين». قال: فاستخرج. قالت. فقلت: أفلا؟ أي: تَنَشَّرْتَ؟ فقال: «أمَّا اللهُ فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا».
وأسنده من حديث عيسى بن يونس، وأبي ضَمْرة أنس بن عياض، وأبي أسامة، ويحيى القطان وفيه: «قالت: حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله». وعنده: «فأمر بالبئر فدفنت».
وذكر أنه رواه عن هشام أيضًا ابن أبي الزَّناد والليث بن سعد.
وقد رواه مسلم، من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير.
ورواه أحمد، عن عفان، عن وُهَيب عن هشام، به.
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن مَعْمَر، عن هشَام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يُرى أنه يأتي ولا يأتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما باله؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث.
وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره: قال ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهما: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مُشَاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مُشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم- يقال له: لبيد بن أعصم- ثم دسها في بئر لبني زُرَيق، ويقال لها: ذَرْوان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يَذُوب ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فَقَعَد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طُبَ. قال: وما طُبَ؟ قال: سحر. قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال: وبم طَبَه؟ قال: بمشط ومشاطة. قال: وأين هو؟ قال: في جُفَ طلعة تحت راعوفة في بئر ذَرْوَان- والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح- فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورًا، وقال: «يا عائشة، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي؟». ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نَشطَ من عقال، وجعل جبريل، عليه السلام، يقول: باسم الله أرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شرًا».
هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.

.سورة الناس:

.تفسير الآيات (1- 6):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
هذه ثلاث صفات من صفات الرب، عز وجل؛ الربوبية، والملك، والإلهية: فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخبال. والمعصوم من عَصَم الله، وقد ثبت في الصحيح أنه: «ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينة». قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: «نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير» وثبت في الصحيح، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله: «على رسلكما، إنها صفية بنت حُيي». فقالا سبحان الله، يا رسول الله. فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا، أو قال: شرًا».
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن بحر، حدثنا عدي بن أبي عمَارة، حدثنا زيادًا النّميري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر خَنَس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس» غريب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم، سمعت أبا تميمة يُحَدث عن رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عَثَر بالنبي صلى الله عليه وسلم حمارهُ، فقلت: تَعِس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل: تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظَم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: بسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب».
تفرد به أحمد، إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا كان في المسجد، جاءه الشيطان فأبس به كما يُبَس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقه- أو: ألجمه». قال أبو هُرَيرة: وأنتم ترون ذلك، أما المزنوق فتراه مائلا- كذا- لا يذكر الله، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله، عز وجل.
تفرد به أحمد.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس.
وكذا قال مجاهد، وقتادة.
وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكرَ لي أن الشيطان، أو: الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {الْوَسْوَاس} قال: هو الشيطان يأمر، فإذا أطيع خنس.
وقوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} هل يختص هذا ببني آدم- كما هو الظاهر- أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.
وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم {رجَالٌ منَ الجنَ} فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.
وقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} هل هو تفصيل لقوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} ثم بينهم فقال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وهذا يقوي القول الثاني.
وقيل قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} تفسير للذي يُوسوس في صدور الناس، من شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، وكما قال الإمام أحمد:
حدثنا وَكِيع، حدثنا المسعودي، حدثنا أبو عُمَر الدمشقي، حدثنا عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فجلست، فقال: «يا أبا ذر، هل صليت؟». قلت: لا. قال: «قم فصل». قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: «يا أبا ذر، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن».
قال: قلت: يا رسول الله، وللإنس شياطين؟ قال: «نعم». قال: قلت: يا رسول الله، الصلاة؟ قال: «خير موضوع، من شاء أقل، ومن شاء أكثر». قلت: يا رسول الله فما الصوم؟ قال: «فرض يجزئ، وعند الله مزيد». قلت: يا رسول الله، فالصدقة؟ قال: «أضعاف مضاعفة». قلت: يا رسول الله، أيها أفضل؟ قال: «جُهد من مُقل، أو سر إلى فقير». قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: «آدم». قلت: يا رسول الله، ونبي كان؟ قال: «نعم، نبي مُكَلَّم». قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: «ثلثمائة وبضعة عشر، جَمًّا غَفيرًا».
وقال مرة: «خمسة عشر». قلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أعظم؟
قال: «آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}».
ورواه النسائي، من حديث أبي عمر الدمشقي، به. وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدًا أبو حاتم بن حبان في صحيحه، بطريق آخر، ولفظ آخر مطول جدًا فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن منصور، عن ذر بن عبد الله الهَمْداني، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة».
ورواه أبو داود والنسائي، من حديث منصور- زاد النسائي: والأعمش- كلاهما عن ذر، به.
آخر التفسير، ولله الحمد والمنة، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ورضي الله عن الصحابة أجمعين. حسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان الفراغ منه في العاشر من جمادي الأولى سنة خمس وعشرين وثمانين. والحمد له وحده.